بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا مُحمَّدٍ وآله وصحبه وَسلَّم، وبعدُ:
فَنَظراً لِمَا يَقْتضيه مقَامُ الإصْلاح و النُّصح لعامَّة المسْلِمينَ مِمَّا أَوْجَبَهُ النَّبيُّ الكَريم صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، رَأْيتُ أنْ أُنَبِّهَ علَىَ أَمْرٍ مُهمٍّ جِدَّاً، فيهِ التَّذكيرُ لنَفسي- المقصِّرة- أوَّلاً ثُمِّ لإخْوَتِي ثَانياً، وحَاصلهُ:
أنَّه مِنْ مُطَالَعَتِي عَلَى بَعْضِ الْمَقَالاَتِ وَالتَّعْليقات الَّتي تَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ الإِخْوَةَ- وفَّقهم الله- رَأيتُ أَمْراً مُخِيْفَاً وَمُحْزِنَاً فِي الوَقْتِ نَفْسِه!!، وَهُو نَذِيرُ شَرٍّ إنْ لَمْ يَتَداركنَا الله بِرَحْمَةٍ منْهُ وَ فَضْلٍ، أَلاَ وَهُو: الكتَابَةُ بِغَيْرِ عِلْمٍ!! وما يَتْبَعُ الكتَابَةَ مِنْ أُمُورٍ، مما يُخشى دُخُولُهُ في (القَولِ علَى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ)!
وَلِهَذهِ الكتَابَات أَوْجُهٌ، فَمَثَلاً:
1/ يَكْتُبُ أَحَدهمْ فِي أَمْرٍ مُقَرِّراً فيه (المنعَ ) أو (الْحَظْرَ)!! وَالصَّوابُ خِلاَفهُ نَصَّاً وَ اسْتِنْبَاطَاً؟!.
2/ أَوْ يَكْتُبُ أَحدهمْ في أمْرٍ مُقرِّراً فيه (الإبَاحَةَ)!! والصَّوابُ خِلافهُ نَصَّاً واستنباطاً؟!
3/ ضَرْبُ فَتَاوَى أَهْل العِلْمِ بَعْضهم بِبَعْضٍ؛ غَفْلَةً أوْ جَهْلاً أو قصداً !! وَكُلُّ ذَلكَ يُورِثُ التَّشكيكَ فِي أَهليَّتهم جَمِيْعاً !!
ومَا عَلِمَ هَؤلاء أنَّه لَيْست كُلّ فَتْوى يَصِحُّ تَنْزِيْلُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَوْ تَصْلُحُ لكُلِّ أَحَدٍ، فالفَتَاوى لَهَا أَحْكَامُهُا وَآدَابُها؛ لذَا نَجِدُ أهلَ العِلْم مِنْهمْ مَنْ ألَّفَ فِي (أحكَام المفْتي والْمُسْتَفتي) كُتُبَاً مُسْتقلَّة، ومنْهُم مَنْ ضَمَّنها في كتابٍ كمَا هُو الْحَالُ فِي (إعلام الموقعين) للإمام ابن القيم.
وَمِنَ الغَرِيْبِ- وَالغرائبُ جمَّةٌ، كمَا يقالُ- أنَّ بَعْضَهُم يَنْقُل فَتَوى لأحَد العُلماء كابْنِ بَازٍ أو غْيرهِ مِنْ إخْوَانِهِ العُلَماء، وبالتَّأَمُّلِ مليَّاً فِي كَلمَاتِهم تَجِدُ فيْها مَا يَنْقُضُ مَا أَرَادَ الاسْتِدلال بِهِ مِنْهَا؟!!
وَ لَيْس الْمَقَام مَقَام بَسطٍ وكشفٍ لبعضِ تِلك المقالاَتِ! إنَّمَا الْمَقَامُ مَقَام تَذكيرٍ ونُصْحٍ وإرشَادٍ وتَنْبِيهٍ وإصْلاحٍ، وَاللبيبُ بِالإشَارَةِ يَفْهَمُ.
وَحِرْصَاً مِنِّي عَلَى القِيَامِ بالإصلاحِ وَ وَاجبِ النُّصْحِ كَمَا أسْلَفتُ رَغِبْتُ أنْ أَكْتُبَ للإِخْوَةِ هَذه الكَلِمَات التَّذْكِيْرِيَّة عَلَّها تُنبِّهُ الغَافل وَتَرْدَعُ الْمُتَعَالِم.
وقَبْلَ البَدْءِ أَقُولُ:
لعَلَّ أكثرَ الإِخْوَةِ يَكْتُبُ عَنْ حُسْنِ قَصْدٍ وَحَمَاسَةٍ وَرَغْبَةٍ فِي الْخَيْرِ وَ حُبِّ الْخَيرِ لِلْغَيْرِ!!
لكنَّ كُلُّ هَذا لاَ يَشْفَعُ لَهُ فِي أَنْ يَفْتَاتَ عَلَى الشَّريعَة، وَيَنْسِبَ لِلْمَنْهَجِ النَّبوي الشَّريف وسَلَفِ الأُمَّة الصَّالِح مَا لَيْسَ مِنْهُ!! فَكَمْ مِنْ مُرِيْدٍ لِلْخَيْرِ لَمْ يُصْبِهُ! فَتَأمَّلْ – يَا رَعَاكَ اللهُ- أنْ تزُجَّ بِنَفْسِكِ فِي الْمَهْلَكَةِ وَأَنْتَ لاَ تَشْعُرُ فَقَدْ نَصَحْتُكَ، والله الموعد!!.
إضَاءةٌ مهمَّةٌ:
قَالَ الإمامُ محمَّدُ بنُ إدريس الشَّافعي في(الرِّسالَة) (رقم 44،45،46 / ص19): "وَالنَّاسُ فِي العِلْمِ طَبَقَاتٌ، مَوقعُهم مِنَ العِلْمِ بِقَدرِ دَرَجَاتِهم فِي العِلْمِ بِهِ.
فَحقٌّ عَلَى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَاية جَهْدِهم فِي الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمهِ وَالصَّبرِ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبهِ، وَ إِخْلاَصِ النِّيَّةِ للهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمهِ، نَصَّاً وَ اسْتِنْبَاطَاً، وَالرَّغْبة إلَى الله فِي العَوْنِ عَليهِ؛ فَإنَّه لاَ يُدْرَكُ خَيْرٌ إلاَّ بِعَونهِ.
فَإنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ الله فِي كتَابهِ نَصَّاً وَاسْتِدْلاَلاً، وَوَفَّقهُ الله لِلْقَولِ وَالعَمَلِ بِمَا عَلِمَ منْهُ: فَازَ بِالفَضِيْلَةِ فِي دِيْنهِ وَ دُنْيَاهُ، وَانْتَفتْ عَنْهُ الرِّيَبُ، وَنَوَّرتْ فِي قَلْبهِ الْحِكْمَةُ، وَاسْتَوجبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الإِمَامَةِ".
ثم بعد هَذه الإضَاءَة أَقُولُ:
إنَّ القَولَ بَغَيْرِ عِلْمٍ كَذِبٌ وَ افْتِيَاتٌ عَلَى الشَّريَعةِ، وَالقَولُ عَلَى الله كَذِبٌ عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وهُو أَمْرٌ لَمْ يُبح الله عزَّ في عُلاهُ لأَحَدٍ أنْ يَتَقوّل عليه، حَتَّى قَال عزَّ وجلَّ عَنْ خليلهِ ورسولهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلَّم -وَ قَدْ عَصَمهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُ؟!!- قَالَ الله تَعالَى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ.لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (الحاقة:44-47).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تفسيره) (4 / 415): "يقُولُ الله (ولو تَقوَّلَ عَليْنا) أيْ: مُحَمَّدصلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ كمَا يَزْعُمُونَ، مُفْتَرياً عَلْيَنَا فَزَادَ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ قَالَ شَيئاً مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَبَهُ إليْنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَعَاجَلْنَاهُ بِالعُقُوبَةِ، وَلِهَذا قَالَ تَعَالَى (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِيْنِ)، قِيْلَ مَعْناهُ: لانْتَقَمْنَا منْهُ بِاليَمِينِ؛ لأنَّهَا أَشَدُّ فِي البَطْشِ، وَقيلَ: لأَخَذْنَا منْهُ بِيَمِيْنهِ، (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِيْن) قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: هُو نِيَاطُ القَلْبِ، وَهُو العِرْقُ الَّذي القَلْبُ مُعَلَّقٌ فِيْهِ.
وَفِي قَوله (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عنْهُ حَاجِزين) أيْ: فمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلى أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إذَا أَرَدْنَا بِهِ شَيْئاً مِنْ ذَلكَ.
والْمَعْنى فِي هَذا: بَلْ هُو صَادِقٌ بَارٌّ رَاشدٌ؛ لأنَّ الله تَعالَى مُقَررٌ لَهُ يُبَلِّغهُ عَنْهُ، وَمُؤيِّدٌ لَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ البَاهِرَاتِ وَالدَّلاَلاَت القَاطِعَاتِ".
ومِنَ الأَدِلَّةِ فِي تَقْرِيْرِ هَذَا الْمَقَامِ:
1/ قَالَ اللهُ تَعالَى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افْتَرَىَ عَلَى اللهِ كَذِبَاً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إليَّ ولَمْ يُوحَ إليْهِ شَيْءٌ..) الآية من (سورة الأنعام: 93).
قَالَ العَلاَّمةُ القُرْطِبيُّ فِي (الجامع لأحكام القرآن) (7 / 41): "قَولُه تَعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أيْ؛ لاَ أَحَدَ أَظْلَمُ، (مِمَّن افْتَرَى) أيْ؛ اخْتَلَقَ عَلَى الله كَذِباً، (أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ) فَزَعَمَ أنَّهُ نَبِيٌّ، (وَلَمْ يُوْحَ إليْهِ شَيْءٌ).
-إلى أنْ قَالَ- وَ مِنْ هَذا النَّمَطِ مِنْ أَعْرَضَ عَنِ الفِقْهِ وَالسُّنَنِ وَمَا كَانَ عليْهِ السَّلَفُ مِنَ السُّنَن فَيَقُولُ: وَقَعَ فِي خَاطِري كَذا، أوْ أَخْبَرَنِي قَلْبي بِكَذا!!
فَيَحْكُمونَ بِمَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهم وَيَغْلُبُ عَليهمْ مِنْ خَواطِرِهمْ، وَيَزْعُمون أنَّ ذلكَ لِصَفَائِها مِنَ الأَكْدَارِ وَخُلُوِّهَا عَنِ الأَغْيار، فَتَتَجَلَّى لَهُم العُلُوم الإلهيَّة وَالْحَقَائِق الرَّبَّانيَّة، فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَارِ الكُلِّيَّاتِ ويَعْلَمُون أَحْكَام الْجُزْئيَّاتِ فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَامِ الشَّرَائع الكُليَّات، وَيَقُولُون: هَذهِ الأَحْكَامُ الشَّرعيَّة العَامَّة، إنَّمَا يُحْكَمُ بِها عَلى الأَغْبِيَاء وَالعَامَّة، وأمَّا الأَوْليَاءُ وَأَهْلُ الْخُصُوصِ، فَلاَ يَحْتَاجُونَ لِتِلْكَ النُّصُوص".
وقالَ العلاَّمة السَّعدي في (تفسيره) (ص 226): "يَقُولُ الله تَعالَى: لاَ أَحَدَ أَعْظَمُ ظُلْمَاً وَلاَ أَكْبَرُ جُرْمَاً مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ بِأَنْ نَسَبَ إلَى اللهِ قَولاً أوْ حُكْمَاً وَهُو تَعَالَى بَرِئٌ مِنْهُ، وَإنَّمَا كَانَ هَذا أَظْلَم الْخَلْقِ؛ لأَنَّ فيْه مِنَ الكَذِبِ وَتَغْييرِ الأَدْيَانِ أُصُولِهَا وَ فُرُوعِهَا وَنِسْبَةِ ذَلكَ إلَى اللهِ تَعالَى مَا هُو مِنْ أَكْبَرِ الْمَفَاسدِ".
2/ قَالَ اللهُ تَعالَى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النَّحل:116).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تَفسيرهِ) (2 / 590): "نَهَى تَعالَى عَنْ سُلُوكِ سَبيلِ الْمُشْرِكين، الَّذين حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا بِمُجَرَّدِ مَا وَضَعوهُ وَاصْطَلَحُوا عليهِ مِنَ الأَسْمَاءِ بِآرَائِهم...- إلى أنْ قَال- وَيَدْخُلُ فِي هَذا كُلُّ مِنَ ابْتَدعَ بِدْعَةً لَيسَ لَهُ فِيْهَا مُسْتَندٌ شَرعيٌّ، أو حَلَّل شَيئاً مِمَّا حرَّمَ الله، أو حرَّمَ شيئاً مِمَّا أباحَ الله، بِمُجرَّد رَأيه أوْ تَشَهِّيهِ- إلى أَنْ قَالَ- ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلكَ فَقَالَ (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ، أمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَتَاعٌ قَلِيْلٌ، وأمَّا فِي الآخِرَةِ فَلَهُمْ عَذَابٌ أَليْمٌ، كَمَا قَالَ(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ)".
قلتُ: وَ يَدْخُلُ فِي الكَذِبِ عَلَى اللهِ الكَذَب عَلَى رَسُولهِ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم؛ لأنَّ السُّنَّةَ وَحيٌّ قَالَ الله تَعَالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىَ إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى)، وَقَدْ تَوعَّدَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مَنْ كَذَبَ عَليهِ كَمَا جَاءَ فِي (الصَّحِيْحَينِ) فِي قَوله (إنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبوَّأْ مَقعدهُ مِنَ النَّارِ).
3/ قالَ تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
(الأعراف:33). قَالَ الإمَامُ الْهُمَام ابْنُ القَيِّمِ فِي كتَابهِ العَظِيم (إعْلاَمُ الْمُوقِّعين عَنْ رَبِّ العَالَمين) (1 / 38): "وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا ، فَقَالَ تَعَالَى (قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
فَرَتَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلاَ عِلْمٍ.
وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِلاَ عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ، وَقَالَ تَعَالَى (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ : هَذَا حَرَامٌ ، وَلِمَا لَمْ يُحِلَّهُ : هَذَا حَلاَلٌ ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلاَّ بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ : أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا ، وَحَرَّمَ كَذَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ، لَمْ أُحِل كَذَا ، وَلَمْ أُحَرِّمْ كَذَا؛ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ وُرُودَ الْوَحْيِ الْمُبِينِ بِتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَ حرَّمه اللَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ أَوْ بِالتَّأْوِيلِ
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَمِيرَهُ بُرَيْدَةَ أَنْ يُنزلَ عَدُوَّهُ إذَا حَاصَرَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ: (فَإِنَّك لاَ تَدْرِي أَتُصِيب حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك)؛ فَتَأَمَّلْ كَيْف فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ الأَمِيرِ الْمُجْتَهِدِ، وَنَهَى أَنْ يُسَمَّى حُكْمُ الْمُجْتَهِدِينَ حُكْم اللَّهِ .
وَمِنْ هَذَا لَمَّا كَتَبَ الْكَاتِبُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ فَقَالَ: هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَقَالَ: (لاَ تَقُلْ هَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: هَذَا مَا رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ).
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : (لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلاَ مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا ، وَلاَ أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ : هَذَا حَلاَلٌ ، وَهَذَا حَرَامٌ ، وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ : نَكْرَهُ كَذَا ، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا ؛ فَيَنْبَغِي هَذَا ، وَلاَ نَرَى هَذَا ) وَرَوَاهُ عَنْهُ عَتِيقُ ابْنُ يَعْقُوبَ، وَزَادَ : (وَلاَ يَقُولُونَ: حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)، الْحَلاَلُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".
وقال الإمامُ ابنُ القيِّم أيضاً في كتابه (مدارج السَّالكين) (1 / 372): "القولُ علَى اللهِ بغيرِ علمٍ، هُو أشدُّ هذه المحرَّماتِ تحريماً، وأعظمُها إثْمَاً، ولهذا ذُكرَ في المرتبةِ الرَّابعة من المحرَّمات الَّتي اتَّفقت عليها الشَّرائعُ والأديانُ، ولا تُباحُ بحالٍ، بلْ لا تَكونُ إلاَّ محرَّمةً، وليستْ كالميتةِ والدَّمِ ولحمِ الخنزيرِ، الذي يُباحُ في حالٍ دونَ حالٍ.
فإنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوعَانِ:
مُحَرَّمٌ لذاتهِ، لا يُباحُ بحالٍ.
ومُحَرَّمٌ تحريماً عارضاً في وقتٍ دونَ وقتٍ.
قَالَ الله تَعالَى فِي الْمُحَرَّم لذَاتهِ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )، ثُمَّ انْتقلَ منهُ إلى مَا هُو أَعْظَمُ منْهُ فَقَالَ (وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، ثُمَّ انْتَقَلَ منْهُ إلَى مَا هُو أَعْظَمُ منْهُ فَقَالَ (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً)، ثُمَّ انْتَقَلَ منْهُ إلَى مَا هُو أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ).
فَهَذا أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ عنْدَ الله وَأَشَدُّها إثْمَاً، فَإنَّهُ يَتَضَمَّنُ الكَذِبَ عَلَى الله، وَنِسْبَتهِ إلَى مَا لاَ يَلِيْقُ بهِ، وَ تَغْيِيرِ دِيْنهِ وَتَبْدِيلهِ، وَنَفْي مَا أَثْبَتَهُ وَإثْبَاتِ مَا نَفَاهُ، وتَحْقِيْقَ مَا أَبْطَلَهُ وَ إبْطَالِ مَا حَقَّقَهُ، وَ عَدَاوَةَ مَنْ وَالاَهُ وَمُوالاةَ مَنْ عَادَاهُ، وَحُبَّ مَا أبْغَضَهُ وَبُعْضَ مَا أحبَّهُ، وَ وَصْفَهُ بِمَا لاَ يَليقُ بهِ فِي ذَاتهِ وَصِفَاتهِ وَأَقْوَالهِ وَأَفْعَالهِ.
فَلَيْسَ فِي أَجْنَاسِ الْمُحَرَّمَاتِ أَعْظَمُ عنْدَ اللهِ منْهُ، وَلاَ أَشَدُّ إثْماً، وهُو أَصْلُ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ، وعليْهِ أُسِّسَتِ البِدَعُ وَالضَّلاَلاَتُ، فَكُلُّ بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ فِي الدِّينِ أَسَاسُهَا القَولُ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ.
وَلِهَذا اشتدَّ نَكيرُ السَّلفِ وَالأئمَّةِ لَهَا، وصَاحُوا بِأَهْلِهَا مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ، وَحَذَّروا فِتْنَتَهُم أَشَدَّ التَّحْذيرِ، وبَالَغُوا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُبَالِغُوا مِثْلَهُ فِي إنْكَارِ الفَواحشِ، وَالظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ، إذْ مَضَرَّةُ البِدَعِ وَهَدْمُها للدِّيْنِ وَمُنَافَاتُهَا له أشدُّ.
وَقَد أنْكرَ اللهُ تَعالَى عَلَى مَنْ نَسَبَ إلَى دِيْنهِ تَحْليلَ شَيءٍ أوْ تَحْريْمَهُ مِنْ عنْدهِ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنَ الله، فقَالَ (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)، فكيفَ بِمَنْ نَسَبَ إلى أَوْصَافهِ سُبْحَانَه وتَعالَى مَا لَمْ يَصِف به نَفْسهُ؟ أو نَفىَ عنْهُ مِنْهَا مَا وَصَفَ بِه نَفْسَهُ؟!
قَالَ بَعضُ السَّلفِ: لِيَحْذَرَ أَحَدُكُمْ أنْ يَقُولَ: أَحَلَّ اللهُ كَذَا، وحَرَّمَ اللهُ كَذا، فَيَقُولُ الله: كَذَبْتَ، لَمْ أُحِلَّ هَذا، ولَمْ أُحَرِّمْ هَذا.
يعني التَّحليلَ وَالتَّحريْمَ بِالرَّأي الْمُجرَّدِ، بِلاَ بُرْهَانٍ منَ الله وَرَسولهِ.
وأصْلُ الشِّرْكِ وَالكُفرِ هُوَ: القَولُ عَلَى الله بلاَ عِلْمٍ، فَإنَّ الْمُشْرِكَ يَزْعُمُ أَنَّ مَن اتَّخَذَهُ مَعْبُوداً مِنْ دُونِ الله يُقَرِّبُهُ إلَى الله، وَيَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ بِوَاسِطَتهِ، كمَا تَكُونُ الوَسَائِطُ عِنْدَ الْمُلُوكِ، فَكُلُّ مُشْرِكٍ قَائِلٌ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ، دُونَ العَكس، إذ القَولُ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ قَدْ يَتَضَمَّنُ التَّعْطِيْلَ وَالابْتِدَاعَ فِي دِينِ الله، فهُو أعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ فَردٌ منْ أَفْرادهِ.
ولَهذا كانَ الكَذبُ عَلَى رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُوجِبَاً لدُخُولِ النَّارِ، وَاتِّخَاذِ مَنْزلهِ مِنْهَا مُبَوَّأً، وهُو الْمَنْزِلُ اللازمُ الَّذي لاَ يُفَارِقُهُ صَاحبُهُ، لأنَّهُ مُتَضمِّنٌ للقَولِ عَلَى اللهِ بِلاَ عِلْمٍ، كَصَريحِ الكَذبِ عَليهِ؛ لأنَّ مَا انْضَافَ إلَى الرَّسُولِ فَهُو مُضَافٌ إلَى الْمُرْسِلِ، وَالقَولُ عَلَى الله بِلاَ عِلْمٍ صَرِيحُ افْتراءِ الكَذِبِ عَليهِ (وَمٍَنْ أظلمُ مِمَّنِ افْتَرَىَ عَلَىَ اللهِ كَذِباً).
فَذُنُوبُ أهْلِ البِدَعِ كُلُّها دَاخِلةٌ تَحتَ هَذا الْجِنْسِ، فَلا تَتَحَقَّقُ التَّوبةُ منْهُ إلاَّ بالتَّوبَةِ مِنَ البِدَعِ، وَأنَّى بالتَّوبة منْهَا لِمَنْ لَمْ يَعْلَم أنَّها بدْعةٌ، أو يَظنُّها سنَّةً، فَهُو يَدْعُو إليْهَا، وَيَحُضُّ عليْها؟ فَلاَ تَنْكَشِفُ لِهَذا ذُنُوبهُ الَّتي تَجِبُ عليهِ التَّوبةُ منْهَا إلاَّ بِتَضَلُّعِهِ مِنَ السُّنَّةِ، وَكَثْرَةِ اطِّلاعهِ عَليْهَا، وَدَوامِ البَحْثِ عَنْهَا وَ التَّفْتِيْشِ عَليْهَا، وَلاَ تَرىَ صَاحبَ بِدْعَةٍ كَذَلكَ أَبَدَاً".
و أخيراً أقولُ: للشَّيخ العلاَّمة عبدالرَّحمن السَّعدي كلامٌ نفيسٌ في أهمِّيَّةِ قَولِ (الْمُعلِّمِ) لـ(الْمُتَعلِّم) جَواباً فيَمَا لاَ يَعْلَمهُ: (اللهُ أَعْلَم)، قَالَهُ فِي رِسَالَةٍ مُخْتَصَرةٍ نَافِعَةٍ فِي (آدَاب الْمُعلِّمِ والمتعَلِّم) (ص 27) مِنْ أنَّ ذلكَ: "لَيْسَ هَذَا بنَاقصٍ لأَقْدَارِهمْ، بَلْ هَذا مِمَّا يَزِيدُ قَدْرَهُمْ، وَ يُسْتَدَلُّ به عَلَى دِيْنِهمْ، وَتَحرِّيهمْ للصَّواب.
وفِي تَوقُّفه عمَّا لاَ يَعْلَمُ فَوائد كَثِيرة:
منْها: أنَّ هَذا هُو الوَاجِبُ علَيْهِ.
ومنها: أنَّه إذَا تَوقَّفَ وَقالَ: لا أَعْلَمُ، فَمَا أَسْرَعَ مَا يَأْتيهِ عِلْم ذَلكَ، إمَّا مِنْ مُرَاجَعَتِهِ أوْ مُرَاجَعةِ غَيْرهِ، فإنَّ الْمُتَعلِّمَ إذَا رَأى مُعَلِّمهُ تَوقَّفَ جَدَّ واجْتَهَدَ فِي تَحْصيلِ عِلْمهَا وَإتْحَافِ الْمُعَلِّمِ بِهَا، فمَا أَحْسَنَ هَذا الأَثر.
ومنْها: أنَّهُ إذَا تَوقَّفَ عمَّا لاَ يَعرف كانَ دَليلاً عَلَى ثِقَتهِ وَإِتْقَانهِ فِيْمَا يَجْزِمُ به منَ الْمَسَائلِ، كمَا أنَّ مَنْ عُرِفَ منْهُ الإقْدَام عَلى الكَلاَمِ فيْمَا لاَ يَعْلَمُ كَانَ ذَلكَ دَاعياً للرّيب فِي كُلِّ مَا يَتَكلَّمُ بهِ، حَتَّى فِي الأُمُورِ الوَاضِحَةِ.
ومنْها: أنَّ الْمُعَلِّمَ إذَا رَأَى منْهُ الْمُتَعلِّمُونَ تَوقُّفهُ عمَّا لاَ يَعْلَمُ، كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيْماً لَهُم وَ إرْشَاداً إلى هَذهِ الطَّريْقَة الْحَسَنَةِ، وَالاقْتِدَاءُ بالأَحْوَالِ وَالأَعْمَالِ أَبْلَغُ مِنَ الاقْتِدَاءِ بِالأَقْوَالِ..".
قلتُ: فهذه بعض الفوائد المرتبة على قولِ (المعلِّم) (الله أعلم) أو (عدم القول بلا علم)، فلا شكَّ أنَّ قولها من (المتعلِّم) آكدُ وألزمُ.
(إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) (هود: من الآية88).
أَسْأَلُ اللهَ العَظِيم رَبَّ العَرْشِ الكَرِيْم أنْ يُوفِّقَنَا جَمِيْعاً لِمَا يُحبِّهُ وَيَرْضَاهُ، وأنْ يَجْعَلنَا هُداةً مُهْتَدين غَيرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّين، إنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم.
وكتبه
عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -كان الله له-
المدينة النبوية
27 / ذي الحجة / 1429هـ